هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الإنسان في مختلف المجالات الإبداعية؟



 للإجابة على هذا السؤال لا بد من وضع تعريف محدد للذكاء الاصطناعي، ماهيته وتطبيقاته.

الذكاء الاصطناعي وفقًا لنتائج البحث عبر Copilot ذاته، هو فرع من علوم الحاسوب يهدف لإنشاء أنظمة قادرة على محاكاة التفكير البشري واتخاذ القرارات وحل المشكلات بذكاء.

وفي تعريف أكثر تفصيلًا نجد أنه: القدرة التي تمتلكها الآلات والبرامج لأداء مهام تتطلب عادةً الذكاء البشري، مثل التعلم من البيانات والتعرف على الأنماط واتخاذ القرارات والتكيف مع المواقف الجديدة. يشمل الذكاء الاصطناعي الخوارزميات والتعلم الآلي والشبكات العصبية ومعالجة اللغة الطبيعية.

ويمكن تصنيفه إلى ثلاث فئات رئيسية حسب قدراته ومستوى محاكاته للذكاء البشري:

الذكاء الاصطناعي المحدود (Narrow AI)

وهو النوع المستخدم حاليًا في معظم التطبيقات. يتخصص في مهمة واحدة محددة، مثل التعرّف على الوجوه أو الترجمة الآلية أو توليد النصوص. تُظهر هذه الأنظمة كفاءة عالية في مجالها المحدد، لكنها غير قادرة على أداء مهام خارج نطاق تخصصها.

الذكاء الاصطناعي العام (General AI)

هو الذكاء الذي يمتلك القدرة على أداء أية مهمة فكرية يمكن للإنسان إنجازها، بما في ذلك الفهم والتفكير المجرد والتعلّم من تجارب متنوعة. لا توجد حتى الآن أنظمة بهذا المستوى ويعتبر تطويرها من أكبر التحديات في أبحاث الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي الفائق (Superintelligent AI)

وهو مستوى متقدم نظريًا يفوق الذكاء البشري في جميع النواحي، بما في ذلك الإبداع واتخاذ القرار والمهارات الاجتماعية، ويُثير هذا النوع مخاوف أخلاقية وتنظيمية مستقبلية.

أما فيما يتعلق بتطبيقاته واستخداماته نجد من بينها ما يلي:

·       أتمتة المهام: نتمكن من خلال أتمتة للمهام الروتينية المتكررة من زيادة الإنتاجية في زمن معين وتقليل الأخطاء البشرية.

·       تحليل البيانات: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة، ما يساعد على استخلاص نتائج قيمة واتخاذ قرارات مستنيرة.

·       تطوير الابتكارات: من خلال المساهمة في تطوير الروبوتات والمركبات ذاتية القيادة وما إلى ذلك.

·       الدقة: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات ضخمة وتحديد أنماط قد لا يتمكن البشر من اكتشافها في زمن قياسي، ما يجعل التنبؤات أكثر دقة.

·       الفعالية من حيث التكلفة: إحدى النقاط الأكثر إثارة للجدل هي قدرة الذكاء الاصطناعي على خفض التكاليف من خلال الأتمتة وتقليل الحاجة للتدخل البشري. ما يشكل فائدة كبيرة للشركات.

كما لا يمكن إغفال استحواذ الذكاء الاصطناعي على العديد من المجالات الإبداعية الأخرى، مثل التصميم الفني والرسومات والترجمة، لكن إلى أي مدى أتقن هذا الذكاء هذه المهام؟ وهل يمكن فعلًا الاستعاضة عن الإبداع البشري في المجالات المذكورة؟ وهل يشكل هذا خفضَا حقيقيًا لتكلفة الخدمات دون المساس بجودتها؟

بكل صراحة لا يسعنا سوى الاعتراف بمدى انتشار استخدامه في المجالات المذكورة وغيرها الكثير، ففي المجالات الفنية، نجد تصاميم جد مبدعة مصممة انطلاقًا من مجموعة من التعليمات والأوصاف. وأكثر من ذلك، فقد أصبح بالإمكان مشاهدة فيديوهات تبدو واقعية إلى حد كبير معدّة بالكامل بواسطة هذه التكنولوجيا ومجموعة من التعليمات والأوامر والأوصاف. وهنا لا بد من التنويه لأهمية إبداع مقدم/ة التعليمات الذكية بغية إعداد مقطع الفيديو أو اللوحة الفنية وأنه لا يمكن الوصول للنتيجة المرجوة دون تشكل الفكرة مسبقًا في العقل البشري وتمتع الشخص المعني بالمعرفة والإبداع اللازمين لإنتاجها عبر الذكاء الاصطناعي.

وبخصوص الترجمة نجد حالات مشابهة، ففي بعض النصوص الأساسية النموذجية، أصبح بالإمكان استخدام الذكاء الاصطناعي لترجمتها بالكامل، خصوصًا عند وجود نتائج وفيرة من الترجمات المشابهة متمة سابقًا على يد مترجم/ة محترف/ة، وهنا يمكنني من خلال تجربتي المهنية الشخصية الإشارة بكامل الثقة إلى أن نتائج هذه الترجمات غير موثوق بها 100% عندما نخرج من إطار هذه الترجمات النموذجية البسيطة، لأن الذكاء الاصطناعي لا يأخذ العديد من الأمور بعين الاعتبار، مثل السياق أو مدى الإبداع المطلوب أو اخلاف طرق التعبير عن الأفكار بين اللغات، بغض النظر عن كمية الأوامر المفصلة المقدمة مسبقًا ولاحقًا لتعديل النصوص، حيث تصبح عمليات التعديل لا متناهي وغالبًا غير مجدية على صعيد الوقت والجهد اللازمين للوصول إلى النتيجة المرجوة.

بالإضافة إلى ما سبق، لا يمكن تجاهل الناحية الإبداعية المطلوبة في الترجمة ذات المستوى العالي، حيث لا يمكن إغفال الفروقات البسيطة – وأحيانًا الكبيرة – بين اللغات وأهمية الفهم الجيد للنص المصدر وانتقاء المصطلحات الملائمة في اللغة المترجم إليها. وهذا لا يعني عدم الاستفادة من فوائد الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، ما أقصده هو الإشارة إلى أهمية الاستخدام الواعي له، لأن تكلفة عدم فعل ذلك قد تكون باهظة سواء على الصعيد المالي أو التسويقي أو الزمني.

تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الترجمات بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى بعض اللغات أكثر نجاحًا من بعضها الآخر، واللغة العربية بجميع تشعباتها وتفاصيلها من أصعب اللغات ترجمة بشكل عام، فما بالك بواسطة تكنولوجيا لا تزال تخطو خطواتها الأولى ولا تزال بحاجة للكثير من التطوير قبل أن تصل لمستويات مقبولة.

وأخيرًا، كإجابة على السؤال الافتتاحي، أجد أنه من غير الحكيم في الوقت الراهن الاعتماد الكامل على هذه التكنولوجيا لتحل مكان الإنسان، حيث إنها غير قادرة على تقديم النتائج المرجوة بعد، بل يمكن الاستعانة بها لتسريع العمليات وتحسين الجودة مع إجراء التتبع المناسب لضمان جودة العمل.

وهذا دون نسيان التأثير الكبير لحواسيب الذكاء الاصطناعي على البيئة والمناخ، فمع تحسن الأنظمة، تزداد الحاجة لقوة الحوسبة، وبالتالي لمزيد من الطاقة للعمل، وترتفع درجة حرارة هذه الخوادم مع سريان الكهرباء عبر الحواسيب ويُشكل الماء عنصراً أساسيًا في أنظمة التبريد المستخدمة لتبريد تلك الخوادم والحواسيب، وعلى الرغم من أن طرق التبريد بالماء قد تتنوع، إلاّ أن أغلبها قادر على تبخير ما يصل إلى 80 في المئة من الماء المستخدم وإطلاقه في الغلاف الجوي.

والنتيجة التي أخلص إليها هنا، أن أي تطور مرحب به بالطبع، لكن لا بد من معاينة النتائج والتأثيرات المترتبة على استعماله في جميع أوجهها الإيجابية والسلبية واختيار أفضل طريقة للتعامل مع هذه التطورات بشكل واعٍ.

Comentarios

Entradas populares de este blog

The importance of Arabic translation in today’s world

وداعًا لروساليا دي كاسترو